وزارة العدل
دار الإفتاء المصرية
إسلام أون لاين.نت/ 19-9-2004
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.
اطلعنا على الطلب المقدم من/ طارق سعيد على، المقيد برقم 1139 لسنة 2003م والمتضمن:
أن السائل يقول ما الحكم الشرعي في التأمين على الحياة؟.
الجـــــــواب
لما كان التأمين بأنواعه المختلفة من المعاملات المستحدثة التي لم يرد بشأنها نص شرعي بالحل أو الحرمة -شأنه في ذلك شأن معاملات البنوك- فقد خضع التعامل به لاجتهاد العلماء وأبحاثهم المستنبطة من بعض النصوص في عمومها؛ كقوله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب) (المائدة: 2)، وكقوله صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى". رواه البخاري، إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة الواردة في هذا الباب.
والتأمين على ثلاثة أنواع:
الأول: التأمين التبادلي: وتقوم به مجموعة من الأفراد أو الجمعيات لتعويض الأضرار التي تلحق بعضهم.
الثاني: التأمين الاجتماعي: وهو تأمين من يعتمدون في حياتهم على كسب عملهم من الأخطار التي يتعرضون لها، ويقوم على أساس فكرة التكافل الاجتماعي، وتقوم به الدولة.
الثالث: التأمين التجاري: وتقوم به شركات مساهمة تنشأ لهذا الغرض.
والنوع الأول والثاني يكاد الإجماع يكون منعقدا على أنهما موافقين لمبادئ الشريعة الإسلامية؛ لكونهما تبرعا في الأصل، وتعاونا على البر والتقوى، وتحقيقا لمبدأ التكافل الاجتماعي والتعاون بين المسلمين دون قصد للربح، ولا تفسدهما الجهالة ولا الغرر، ولاتعتبر زيادة مبلغ التأمين فيهما عن الاشتراكات المدفوعة ربا؛ لأن هذه الأقساط ليست في مقابل الأجل، وإنما هي تبرع لتعويض أضرار الخطر.
أما النوع الثالث: وهو التأمين التجاري -ومنه التأمين على الأشخاص- فقد اشتد الخلاف حوله واحتد: فبينما يرى فريق من العلماء أن هذا النوع من التعامل حرام لما يكتنفه من الغرر المنهي عنه، ولما يتضمنه من القمار والمراهنة والربا.
يرى فريق آخر أن التأمين التجاري جائز وليس فيه ما يخالف الشريعة الإسلامية؛ لأنه قائم أساس على التكافل الاجتماعي والتعاون على البر وأنه تبرع في الأصل وليس معاوضة.
واستدل هؤلاء الأخيرون على ما ذهبوا إليه بعموم النصوص في الكتاب والسنة وبأدلة المعقول.
أما الكتاب فقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) (المائدة: 1) فقالوا: إن لفظ العقود عام يشمل كل العقود، ومنها التأمين وغيره، ولو كان هذا العقد محظورا لبينه الرسول صلى الله عليه وسلم بمنى وكان فيما خطب: لا يحل لامرئ من مال أخيه إلا ما طابت به نفسه، فقد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم طريق حل المال أن تسمح به نفس باذلة من خلال التراضي، والتأمين يتراضى فيه الطرفان على أخذ مال بطريق مخصوص، فيكون حلالا.
ومن المعقول قياس التأمين على المضاربة التي هي باب مباح من أبواب التعامل في الشريعة الإسلامية. وذلك على أساس أن المؤمن له يقدم رأس المال في صورة أقساط التأمين، ويعمل المؤمن فيه لاستغلاله، والربح فيه للمؤمن له هو مبلغ التأمين، وبالنسبة للمؤمن الأقساط وما يعود عليه استغلالها من مكاسب. كما استدلوا أيضا بالعرف فقد جرى العرف على التعامل بهذا النوع من العقود، والعرف مصدر من مصادر التشريع كما هو معلوم. وكذا المصلحة المرسلة. كما أن بين التأمين التجاري والتأمين التبادلي والاجتماعي المجمع على حلهما وموافقتهما لمبادئ الشريعة وجود شبه كثيرة، مما يسحب حكمهما عليه، فيكون حلالا.
ومن المعقول قياس التأمين على المضاربة التي هي باب مباح من أبواب التعامل في الشريعة الإسلامية وذلك على أساس أن المؤمن له يقدم رأس المال في صورة أقساط التأمين، ويعمل المؤمن فيه لاستغلاله، والربح فيه للمؤمن له هو مبلغ التأمين، وبالنسبة للمؤمن الأقساط وما يعود عليه استغلالها من مكاسب. كما استدلوا أيضا بالعرف فقد جرى العرف على التعامل بهذا النوع من العقود، والعرف مصدر من مصادر التشريع كما هو معلوم. وكذا المصلحة المرسلة. كما أن بين التأمين التجاري والتأمين التبادلي والاجتماعي المجمع على حلهما وموافقتهما لمبادئ الشريعة وجوه شبه كثيرة، مما يسحب حكمهما عليه، فيكون حلالا.
وعقد التأمين على الحياة -أحد أنواع التأمين التجاري- ليس من عقود الغرر المحرمة لأنه عقد تبرع وليس عقد معاوضة فيفسده الغرر، لأن الغرر فيه لا يفضي إلى نزاع بين أطرافه، لكثرة تعامل الناس به وشيوعه فيهم وانتشاره في كل مجالات نشاطهم الاقتصادي، فما ألفه الناس ورضوا به دون ترتب نزاع حوله يكون غير منهي عنه.
والغرر يتصور حينما يكون العقد فرديا بين الشخص والشركة، أما وقد أصبح التأمين في جميع المجالات الاقتصادية وأصبحت الشركات هي التي تقوم بالتأمين الجماعي لمن يعملون لديها، وصار كل إنسان يعرف مقدما مقدار ما سيدفعه وما سيحصل عليه -فهنا لا يتصور وجود الغرر الفاحش المنهي عنه. كما لا يوجد في عقد التأمين التجاري شبهة القمار؛ لأن المقامرة تقوم على الحظ في حين أن التأمين يقوم على أسس منضبطة وعلى حسابات مدروسة ومحسوبة.
وبدراسة وثائق التأمين التجاري بجميع أنواعه الصادرة عن شركة الشرق للتأمين وغيرها من الشركات الأخرى تبين أن أكثر بنودها ما هي إلا قواعد تنظيمية مقررة من قبل شركات التأمين إذا ارتضاها العميل أصبح ملتزما بما فيها، وأن أكثر هذه البنود في مجموعها لا تخالف الشريعة الإسلامية، غير أن هناك بعض البنود يجب إلغاؤها أو تعديلها لتتمشى مع أحكام الشريعة وتتفق مع ما قررته قيادات التأمين في محضر اجتماعهم برئاسة مفتي الجمهورية بدار الإفتاء المصرية المؤرخ 25/3/1997م وذلك في البنود التالية:
البند المتضمن:
1 – (رد قيمة الأقساط بالكامل إذا كان المؤمن عليه على قيد الحياة عند انتهاء مدة التأمين) يجب تعديل هذا البند إلى:
(رد قيمة الأقساط بالكامل إذا كان المؤمن عليه على قيد الحياة عند انتهاء مدى التأمين مع استثماراتها بعد خصم نسبة معينة نظير الأعمال الإدارية التي تقوم بها الشركة).
2 – المادة العاشرة المتضمنة:
(أنه إذا حدث بالرغم من إرسال الخطاب المسجل لم يسدد العميل في المهلة المحددة وكانت أقساط السنوات الثلاث الأولى لم تسدد بالكامل يعتبر العقد لاغيا وبغير حاجة إلى إنذار وتبقى الأقساط المدفوعة حقا مكتسبا للشركة).
يجب تعديل هذه المادة إلى:
(.... وترد الأقساط المدفوعة إلى العميل بعد خصم نسبة لا تزيد على 10% في المائة مقابل الأعمال التي قامت بها الشركة). حتى لا تستولي الشركة على أموال الناس بالباطل.
3 – المادة الثالثة عشر الفقرة الأولى المتضمنة:
(يسقط الحق في المطالبة بأي حق من الحقوق الناشئة عن عقد التأمين إذا لم يطالب به أصحابه، أو لم يقدموا للشركة المستندات الدالة على الوفاة).
هذه الفقرة يجب إلغاؤها، حيث إن الحق متى ثبت للعميل لا يسقط بأي حال من الأحوال حتى لو لم يطالب به أصحابه. وبعد مرور عشر سنوات يسلم المال إلى بيت مال المسلمين.
الفقرة الثالثة من نفس المادة المتضمنة:
(... كما يسقط بالتقادم حق المستفيدين في رفع الدعاوى ضد الشركة للمطالبة بالحقوق الناشئة عن هذا العقد بمضي ثلاث سنوات من وقت حدوث الوفاة).
يجب تعديل هذه الفقرة إلى:
(... يسقط الحق بعد مضي ثلاث وثلاثين سنة) وهي مدى التقادم في رفع الدعوى في الحقوق المدنية عند الفقهاء في الشريعة الإسلامية).
ودار الإفتاء المصرية -ترى أنه لا مانع شرعا- من الأخذ بنظام التأمين بكل أنواعه، ونأمل توسيع دائرته كلما كان ذلك ممكنا ليعم الأفراد الذين لم يشملهم التأمين. ويكون الاشتراك شهريا أو سنويا بمبلغ معقول، ويكون إجباريا ليتعود الجميع على الادخار والعطاء، على أن تعود إليهم الأموال التي اشتركوا بها ومعها استثماراتها النافعة لهم ولأوطانهم. فالأمم الراقية والمجتمعات العظيمة هي التي تربي في أبنائها حب الادخار والعمل لما ينفعهم في دينهم ومستقبل حياتهم.
والله سبحانه وتعالى أعلم
مفتي جمهورية مصر العربية
أ.د/ علي جمعة
مفتي مصر يجيز التأمين على الحياة
القاهرة- صبحي مجاهد- إسلام أون لاين.نت/ 19-9-2004
د.علي جمعة
أفتى الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية بجواز التأمين على الحياة، معتبرا أنه لا مانع شرعا من الأخذ بنظام التأمين بكل أنواعه.
وقال الدكتور جمعة في الفتوى التي حصلت إسلام أون لاين.نت على نسخة منها الأحد 19-9-2004: إنه "لما كان التأمين بأنواعه المختلفة من المعاملات المستحدثة التي لم يرد بشأنها نص شرعي بالحل أو الحرمة -شأنه في ذلك ِشأن معاملات البنوك- فقد خضع التعامل به لاجتهاد العلماء وأبحاثهم المستنبطة من بعض النصوص في عمومه".
وأوضحت الفتوى أن "التأمين التجاري (وهو أحد أنواع التأمين) ومنه التأمين على الأشخاص، اشتد الخلاف حوله واحتد. فبينما يرى فريق من العلماء أن هذا النوع من التعامل حرام؛ لما فيه من الغرر المنهي عنه، ولما يتضمنه من القمار والمراهنة والربا، يرى فريق آخر أن التأمين التجاري جائز وليس فيه ما يخالف الشريعة الإسلامية؛ لأنه قائم على أساس من التكافل الاجتماعي والتعاون على البر، وأنه تبرع في الأصل وليس معاوضة".
وبحسب الفتوى استدل الفريق الأخير على ما ذهبوا إليه بعموم النصوص في الكتاب والسنة وبأدلة المعقول، فمن الكتاب استدلوا بقوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود" (المائدة: 1)، وقال: إن لفظ العقود عام يشمل كل العقود، ومنها التأمين وغيره. ومن السنة قال: إنه "لو كان هذا العقد محظورا لبينه الرسول صلى الله عليه وسلم بمنى وكان فيما خَطَب صلى الله عليه وسلم : "لا يحل لامرئ من مال أخيه إلا ما طابت به نفسه"؛ فقد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم طريق حل المال أن تسمح به نفس باذلة من خلال التراضي. والتأمين يتراضى فيه الطرفان على أخذ مال بطريق مخصوص، فيكون حلالا".
أما الدليل من المعقول، فقد قاس المجيزون التأمين على المضاربة "التي هي باب مباح من أبواب التعامل في الشريعة الإسلامية، وذلك على أساس أن المؤمّن له (دافع أقساط التأمين) يقدم رأس المال في صورة أقساط التأمين، ويعمل المؤمن فيه (شركة التأمين) لاستغلاله".
وقال الدكتور جمعة: إن "الغرر يتصور حينما يكون العقد فرديا بين الشخص والشركة، إلا أن التأمين أصبح في جميع المجالات الاقتصادية، وأصبحت الشركات هي التي تقوم بالتأمين الجماعي لمن يعملون لديها، وصار كل إنسان يعرف مقدما مقدار ما سيدفعه وما سيحصل عليه، وعليه فلا يتصور وجود الغرر الفاحش المنهي عنه".
وأشارت الفتوى إلى عدد من البنود التي يجب تعديلها في عقود التأمين على الحياة لتسير عليها شركات التأمين، من بينها البند الذي يقول بـ"رد قيمة الأقساط بالكامل إذا كان المؤمن عليه على قيد الحياة عند انتهاء مدة التأمين"، وتعديله ليشمل إلى جانب ذلك "رد استثمارات الأقساط بعد خصم نسبة معينة نظير الأعمال الإدارية التي تقوم بها الشركة".
قرارات تحريم التأمين..
وتعليقا على الفتوى، يقول رئيس القسم الشرعي بموقع إسلام أون لاين.نت محمد زيدان: إنه "لا شك في حسن اجتهاد الدكتور علي جمعة، ولكننا في الحقيقة لا نستطيع إغفال قرارات المؤتمرات الفقهية التي نصت على تحريم التأمين التجاري بكافة أنواعه ومنه التأمين على الحياة".
وأوضح زيدان أنه من بين هذه المؤتمرات: "مؤتمر علماء المسلمين الثاني في القاهرة عام 1385 هجرية، ومؤتمر علماء المسلمين السابع في القاهرة عام 1392 هجرية، والمجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي عام 1398 هجرية، وقرار مجلس هيئة كبار العلماء بالسعودية عام 1397 هجرية، وقرار الندوة الفقهية الثالثة التابعة لبيت التمويل الكويتي عام 1413 هجرية، وكذلك قرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي رقم 9(9/2)".
وأوضح زيدان أنه "إذا تمعنا في مبررات فتوى فضيلته نجد أنه قد فصَّل في أدلة المجيزين ولم يفصِّل في أدلة المانعين؛ وأنه بنى فتواه على العرف، والمعروف أن العرف لا يقف أمام نصوص الشريعة الغراء، وهو أضعف من أن يقاوم نصا، فضلا عن أن يكون له قيمة النص الشرعي".
وتابع رئيس القسم الشرعي بإسلام أون لاين.نت قائلا: "كما أن فضيلته بنى الفتوى على أن التأمين على الحياة هو من جنس المضاربة، وبينهما فروق واضحة، أهمها أن الربح في المضاربة يكون بين الشريكين نسبا مئوية مثلا، بخلاف التأمين؛ فربح رأس المال وخسارته للشركة وليس للمستأمن إلا مبلغ التأمين أو مبلغ غير محدد".
واعتبر زيدان أن هناك "تناقضا في تكييف عقد التأمين، فمرة تنص الفتوى على أنه من عقود التبرعات، ومرة تنص على أنه من المضاربة (وهي أبرز عقود المعاوضات)".
ويتابع: "كما نرى تناقضا بين اعتبار الفتوى الأقساط المقدمة رأس مال المضاربة مرة، وأخرى تعتبرها أرباح الشركة".
اقرأ نص الفتوى